في عالم تتسارع فيه الحياة، ونغرق فيه بين الاجتماعات، الرسائل، التنبيهات، والتزاماتنا التي لا تنتهي… ننسى أن أعظم التغييرات لا تحدث في الضجيج، بل في الصمت.
الصمت ليس انسحابًا… بل عودة
كثيرون يظنون أن الجلوس بصمت هو نوع من الهروب أو الكسل. لكن في الحقيقة، الصمت هو أصدق مواجهة مع النفس. في لحظة صمت واحدة، قد يظهر لك ما لم تُبصره في سنوات من الانشغال.
قصة: كرسي فوق الجبل
أحد المتدربين في إحدى الدورات أخبرني بأنه اعتاد الهروب من كل ما يزعجه بالسفر، حتى أنه زار أكثر من 15 دولة في عام واحد، بحثًا عن الراحة. لكن الغريب، كما يقول، أنه وجد “أكثر نقطة وضوح” حين جلس على كرسي خشبي فوق قمة جبل، بمفرده، بدون هاتف، ينظر فقط إلى الأفق…
قال:
“في تلك اللحظة… لم يكن هناك أحد يطلب مني شيئًا. لم أكن مديرًا أو ابنًا أو صديقًا… كنت فقط أنا. وشعرت كأنني التقيت بنفسي للمرة الأولى.”
لماذا نحتاج الصمت؟
- لنفهم أنفسنا: عندما نصمت، نصبح قادرين على ملاحظة أفكارنا ومشاعرنا بوضوح.
- لنتعافى: الضوضاء تُرهق الجهاز العصبي. الصمت يعيد التوازن.
- لنتخذ قرارات أفضل: كثير من قراراتنا ردود فعل وليست اختيارات واعية… الصمت يسمح بالتمييز.
- لنتصل بروحنا: كم مرة شعرت أنك غريب عن نفسك؟ الصمت يرمم هذا الاتصال.
تجربة عملية: “دقيقة وعي”
في كل يوم، خصص 5 دقائق فقط:
- أطفئ كل الأجهزة.
- اجلس في مكان مريح.
- خذ نفسًا عميقًا، وابدأ في مراقبة أفكارك دون تعليق.
- اسأل نفسك:
“ما الذي أشعر به الآن؟”
“ما الذي أحتاجه فعلًا؟”
سجّل كل ما يظهر لك في دفتر صغير. بعد أسبوع، راجع ما كتبته.
ستندهش من حجم الوضوح الذي ظهر فقط لأنك سكتّ قليلاً.
مثال من القرآن الكريم:
قال تعالى:
“فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا”
[مريم: 11]
زكريا عليه السلام، حين أراد أن يتلقى بشارة عظيمة، اختار الصمت لثلاثة أيام.
الأنبياء كانوا يعزلون أنفسهم، يتأملون، يصمتون… قبل أن ينطلقوا برسالة.
ختام المقال: اجعل الصمت عادتك لا هروبك
لا تنتظر أن تفرغ الحياة لتصمت.
بل خصص موعدًا ثابتًا للصمت، كما تخصص موعدًا للطعام أو العمل.
اجعل لنفسك مساحة هدوء… كرسيك الخاص، مكانك السري، حيث تلتقي مع أعمق نسخة منك.
تفاعل معنا:
هل جربت لحظة صمت غيّرت شيئًا في داخلك؟
شاركنا تجربتك أو رأيك في التعليقات أسفل المقال، فربما كلماتك تلهم شخصًا يبحث عن بداية.